الفكر النقدي العربي ومشروع الحداثة النقد البنيوي النقد النفسي النقد البنيوي التكويني

نقرأ في هذا الكتاب حصيلة تجربة طويلة في الميدان النقدي الأدبي قوامها القراءة والمناقشة والتصويب للأديب والناقد الأدبي المعروف "عمر عيلان" الذي تميز بقدرة قل مثيلها في المقارنة والموازنة وتفكيك المفاهيم والمصطلحات، ومن ثم ضبطها في حدودها المنهجية والوظيفية. من هنا، جاء كتابه هذا مكثفاً ومليئاً بإحالات كثيرة وطروحات مضادة لها ما يبررها منهجياً ومعرفياً. تأتي أهمية هذا الكتاب بقدرته على كشف الإرث والذاكرة العربيين والنظر إليها في سياق البنى الجديدة التي وسمت الواقع العربي الثقافي في ظل المتغيرات الراهنة. من هذا المنطلق يبحث الدكتور عيلان في هذه الدراسة بقضايا "النقد العربي الجديد"، بداية من الحداثة التي لم تستقر على معنى محدد، بالنظر إلى تعدد الآراء والمرجعيات مروراً بالنقد البنيوي وكيفيات استثماره، وصولاً إلى قضايا النفسنة والجمعنة مع النقد النفسي والنقد البنيوي التكويني. وهنا يتطرق الباحث إلى هذه المناهج في كتب عربية رائدة، بعدما تبين له أن نقد النقد قد تأخر كثيراً عن ممارسة دوره في تصوير الزلل الذي رسم الاجتهادات العربية، أو بعضها، والتي يعتبرها إحدى مشكلات النقد الجديد بتفرعاته والذي أهمل النظر إلى واقعه وكيانه. وهنا يأتي دور أديبنا في الكشف عن الأسباب التي منعت ظهور النقد؛ فجاء كتابه هذا - مقاربة في نقد النقد - ليوضح ويصوب ما وقع فيه كثيرون ممن أخذوا الموضوعات في معزل عن سياقها التاريخي فوقعوا في فوضى معرفية ونقدية تنم عن قلة روية اعتمدت فقط النقل الآلي لمنظورات أنتجتها سياقات غيرية لها خصوصيتها المختلفة عن واقعنا الثقافي. وأما محتويات الكتاب فجاءت على النحو التالي: يبدأ الكاتب بمدخل عنوانه "الفكر النقدي العربي ومشروع الحداثة" ويبحث من خلاله في الشروط الحضارية للبحث عن المنهج أو مفاصل الحداثة النقدية؛ والآلية التي تم بها انتقال النموذج النقدي الجديد إلى النقد العربي. أما القسم الأول فجاء بعنوان: النقد البنيوي ويضم ثلاثة موضوعات: 1 - الوهج النظري: بناء الرواية عند سيزا قاسم، 2 - التلقين المنهجي والتعليمية النظرية: يمنى العيد تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي، 3 - سعيد يقطين: الوعي النقدي والتطويع المنهجي. أما القسم الثاني فجاء ليبحث في النقد النفسي ويضم عدة موضوعات هي: 1 - التنظير، 2 - الممارسة النقدية، 3 - الاضطراب المنهجي، عدنان بن ذريل، 4 - عز الدين إسماعيل والحرفية المنهجية، 5 - جورج طرابيشي، وعي المنهج... وعي المصطلح، 6 - رجاء نعمة والتركيب المنهجي، - سامي سويدان، بنية الرواية ولغة اللاوعي. وجاء القسم الثالث والأخير تحت عنوان: النقد البنيوي التكويني ويضم ثلاثة موضوعات: 1 - محمود أمين، العالم بين المساءلة المنهجية والإجراء النقدي الحر، 2 - حميد لحمداني ومسعى التطويع المنهجي: من البنيوية التكوينية إلى النقد السوسيو - بنائي، 3 - سعيد علوش، الرواية والإيديولوجية: بين نمط الوعي وبنية النص الروائي. "النقد العربي الجديد" يكشف عن معلومات تاريخية ومصطلحية ومفهومية ومنهجية غاية في الأهمية، جدير بالاطلاع. تبلورت مفاصل الحركة النقدية العربية مع بيانات الحداثة التي بدأها أدونيس وجماعة مجلة شعر 1956، وتلتها بيانات أخرى مثل (بيان الكتابة ) 1981 لمحمد بنيس، وقاسم المقداد وأمين صالح في بيان (موت الكورس) وبيان (السيميائية والأدب) بالجزائر سنة 1998، والذي صدر بعد أشغال مؤتمر (السيمياء والنص الأدبي ) الذي عقد بجامعة سطيف . وبيان الرواية الذي نشره نبيل سليمان عام 1998 ويسوغه بقوله (خلال عقود محدودة رجت صدمة الحداثة كل شيء، وما دمنا في حدود الرواية، فمن الضروري أن يظل حاضراً ما جرى تشخيصه حتى الآن من سلب ومن إيجاب، من منجزات وأوهام وكما في النقد، كذلك في الرواية، بدأ الأمر منذ قرابة العقد وكأنه صدمة جديدة ). إن هذه السيرورة تعكس بعمق مسعى التحول الذي تؤسس له فكرة الحداثة لدى المثقفين والنقاد العرب .