Image

العار / سلمان رشدي

عدد النسخ: 1 عدد النسخ المعارة : 0 عدد النسخ المتاحة للاعارة : 0
رقم التسجيلة 13777
نوع المادة كتاب
رقم الطلب 891.43 ر ش د
المؤلف رشدي، سلمان

العنوان العار / سلمان رشدي
الوصف المادي 366 ص : 21*15 سم
المستخلص

مواجهة التاريخ من خلال الفرضية التي يحملها العنوان نفسه يغلّف الروائي سلمان رشدي فراره المتكرر من الوطن الأم بحكايات خرافية تلوّن مهانة العجز عن استعادة التاريخ المفقود، وابتلاع الخزي الذي رافق انسلاخ باكستان عن الهند. ومن أجل تجنب السقوط في هوة التاريخ واحتمالاته المتشعبة، يخوض تجربة الرواية، ويبحث عن هواجس الكائنات الغاضبة وهي تنحني أمام عارها، من دون أن ينسى التذكير بأن الاكتواء بنار العار ليس مقصورا على حيوات الشرقيين ودنياهم المؤطرة بطواطم التحريم المختلفة. في رواية "العار"، الصادرة ترجمتها لدى "دار الجمل"، يعود الكاتب إلى البيئة المحلية، ليضمن تطابق الرؤية التاريخية مع رواسب التشظي الداخلي وتبعاته المستقبلية، لكنه يهادن الرقيب عبر أسوار الخرافة وارتيابها المُخلص. يستلهم عزلة ماركيز التاريخية التي رصدها في روايته "مئة عام من العزلة"، لينسج قفصه الخاص وفق معاييره الغرائبية، فيندس سؤال العار بين طيات التداعي السردي الروائي، عاكسا رؤية وجودية قلقلة مشوشة، تناسب تماما التشظي الذي منيت به الأمة العريقة. وإمعانا في َبذر الإذلال، يختار رشدي سجن الحريم التقليدي وما تولده عزلته من غضب خفي يملك إمكان تفجير التحدي الاستفزازي الأولي لمفهومي الشرف والعار، من خلال تمرد الأخوات شاكيل وحفلتهن الصاخبة التي ودّعن بها عذريتهن وذكّرن العالم المستسلم لخدره الموهوم بأن الانتقام لا يستوفى عند حدود جيل واحد ومهلة زمنية معينة، فجرثومة العزلة تنسج تاريخها الخاص الملون بالعار وخفاياه المتباينة. تشكل الحفلة الصاخبة هدنة قصيرة حاسمة بين استطالات عالم العزلة، وامتيازا يجعل الكبرياء صورة قاسية لأمة جُبلت على ثقافة العار والشرف، مما أوصلها إلى مشروع الاختزال والدخول في عصف التاريخ وهامشيته. يجبل رشدي بطله الأساسي عمر الخيام من طينة الكبرياء، ويعلن ولادته باحتفالية تحول العار العام الناجم عن حمل السفاح انتصاراً، ثم تتأكد صفته كمخلوق يعيش على حافة العالم، عندما يُحرَم طقوس الاستقبال الدينية المعهودة، ليصبح شخصا ولد ونشأ خارج الأشياء، أي ليس بطل حياته. مع أن الرواية تحمل اسم العار، لكنها تتخذه مفتاحا سحريا لمناظرة التاريخ ومساءلة قدريته الغامضة التي تكنس بقايا الحيوات الآفلة بلا رحمة وتذروها للنسيان: إن كان للتاريخ أن يدمغ المصير الفردي ويؤطر هويته فإلى أي حد يمكننا أن نتشارك في صنعه؟ يحاصر رشدي بطله عمر الخيام في دهاليز التاريخ المتفسخ ذي الأبخرة العفنة المتلاشية والمتخلفة عن أفكار أسلافه المنبوذة وأحلامهم المنسية، ويسجنه في القصر المنعزل اثني عشر عاما، في أشد سنوات نموّه أهمية، ثم يحرّم عليه أثناء ارتياد المدرسة، الشعور بالعار، الانزعاج، الخيبة، اللياقة، التواضع، الخجل، والإحساس بأن له مكانا خاصا به في العالم، فيضمن بذلك هامشيته كرجل زاوية في مباريات المصارعة التي يخوضها الآخرون. ولأن عمر الخيام يجرَّد من هويته التاريخية، كان لا بد من حضور بطل آخر معاكس له يتمثل العار في داخله ويلفظه زلزالا يدمر طمأنينة الآخرين، ويتجسد بصفية زنوبيا، كبرى بنات الجنرال رضا حيدر وزوجته بلقيس. في البداية يضع رشدي بلقيس أمام نزوة الشجاعة التي تسول للبعض تأكيد تميزه إبان عصف التاريخ، فيجر على ذريته قدر المهاجرين المتمثل بالتجرد من التاريخ! انتحارُ والدها المدبر يعرّي بلقيس، فتتزوج من حيدر، وهو بطل ذو مستقبل باهر، يبرز من خلال الوجود الموازي للتاريخ، في المكان الذي يجري فيه حجز المواطنين بحسب الهوية الدينية. وبعدما ظل التاريخ عتيقا صدئاً، آلة لم يشغلها أحد منذ آلاف السنين، يحدث التقسيم ويتم تحريك العجلات لتنزاح باكستان ويُكتب الماضي من جديد. لكن كان لا بد لإقامة باكستان من حجب تاريخ الهند، من الإنكار أن القرون الزمنية الهندية تقبع تماما تحت سطح الزمان المعياري الباكستاني، مما يجعل التاريخ اللاحق لباكستان مبارزة بين طبقتين من الزمان، حيث العالم المحجوب يشق طريقه عبر ما تم فرضه بالقوة. باكستان، تلك التي تخوض الحرب، المرة تلو المرة مع نفسها، تُعَنون بـ"فشل العقول الحالمة". تعرّف الكاتب إلى باكستان بالتقسيط، فاضطر لأن يفكر فيها على شكل شظايا مرآة مكسورة، وحين دخل ضمن الحيز الدقيق بين الرواية والتخيل، ألمح إلى أي حد يمكن مادة الحياة الحقيقية أن تصبح قاهرة. حين نهض المشروع في ذهن رشدي، احتاج إلى مبرر قوي يسقط عليه سيل الإذلال الطويل، فاختار طفلة معتوهة تولد لأسرة الجنرال رضا حيدر، الذي سيغدو الرجل الأول في البلاد، وجعل أمها الممسوسة بوهن العار تسيء معاملتها لأنها كانت تحمرّ خجلاً. وحمل هذا الاختيار تحديا لمفهوم الطهارة في بلاد يفترض أنها بلاد الطهارة، فضعف العقل بينة كافية لإثبات النقاء والطهارة، ومسوّغ لجعل الضحية تمتص حشدا كبيرا من المشاعر لا يعرفها أحد، كالندم على كلمة فظة مثلا، الشعور بالذنب، الضيق، الاحتشام، الخزي، العار، الأمر الذي يشكل مدخلا للإجابة عن التساؤل: ما الذي يحدث لكل ذلك العار الذي لا يشعر به أحد؟ تُمنَح صفية زنوبيا مهلة الاثني عشر عاما كعمر الخيام تماما، لتُراكمَ الغضب الناجم عن الإحساس بالعار، فتقسو روحها وتتصلب لافتقاد العاطفة والحب، بينما ينضج عمر الخيام في عالمه المتحلل، الخالي من الإحساس بالعار. يؤكد رشدي أن التاريخ لا يحب إلا من يسيطر عليه، فهي علاقة استرقاق متبادل لذا يجب عطف التاريخ. وقد اكتفى رشدي بمهلة الاثني عشر عاما من الإذلال الخالي من كل الحب والتي تؤثر حتى في المعتوهين والبلهاء، كي يصل إلى تلك النقطة التي لا يمكن لشيء أن يتجاوزها دون أن يتحطم. يلعب الكاتب لعبته الماكرة حين يحمّل صفية وباء العار، الذي يتضمن داخله كل عارٍ لم يشعر به أولئك الذين يحيطون بها، ليشكل منها أيقونة "الوحش داخل الجمال"، الذي يماثل مفهوم ملائكة الانتقام المبيدة التي تقتات من عواطف إنسانية معينة، وبذلك يقايض خرافة الجميلة والوحش بتطرف يمس جوهر المرأة الكلي الذي يرفض اختلاط القديس بالوحش. فصفية زنوبيا التي حملت زمنا طويلا عبء كونها عار العائلة المجسد، اكتشفت في متاهات الذات الباطنية الرباط الخفي الذي يربط بين الإحساس بالعار والعنف. كان هاجس الكاتب أن يفتت إحساس الناس بأنفسهم، أن يخلخل نظرتهم إلى العار والشرف وعلاقتهما بالكرامة الوطنية والإنسانية، لذلك يوضح بسخرية ماكرة أن خطر صفية يتجسد في أنها جاءت لتعيش في صميم العالم الراقي، الذي بذل جهدا بالغا لتجاهل حقيقتها كي يتجنب إثارة المشكلات، ذلك أن طردها يكشف ما ينبغي أن يظل مجهولا مهما كان الثمن، أي يكشف تلك الحقيقة غير المعقولة وهي أن البربرية قد تنمو في تربة الحضارة وأن الهمجية قد تكمن خلف قميص الرقي المكوي جيدا. وبقدر ما كان الوحش داخل صفية يزداد قوة، كانت المحاولات لإنكار وجوده تشتد ضراوة، لذلك توجب حقنها طوال سنتين بالعقاقير المخدرة التي تنقلها من قصة خرافية إلى الجميلة النائمة والوحش، غير أن الوحش لم ينم، العنف الذي ولد من الشعور بالعار والذي بات يعيش حياته الخاصة تحت جلدها، لم يمت، بل كان يكافح السوائل المخدرة، إلى أن صارت هي العنف ذاته. تزوج عمر الخيام من الطفلة غير القابلة للزواج، ليثأر من حيدر في اللحظة المناسبة، واتخذ وضعية المراقب لتحول صفية من حالة الكمون إلى الانفجار الانتقامي، معتبرا حالتها درسا محسوسا، يبيّن مقدار الخطر الذي ينجم عن إطلاق العنان للخيال. لأن صفية هي المقابل المادي لعمر، لذا فهي محرك الفعل الذي عجز عنه الأخير، ويأتي تعاطفه الفكري معها، مؤكدا صيرورة الانتظار الكموني الطويل الذي ينتهي بمقتل الجنرال حيدر. فصفية الحرة، الفخورة بالعنف الذي تصنع به أسطورتها، استطاعت أن تبرهن أن الكائنات البشرية قادرة على اكتشاف نبالتها من خلال همجيتها! يعترف الكاتب أن القصص الأنثوية فرضت عليه أن يوشي روايته بكل أنواع العقد والالتفافات، كي يرى قصته "الذكرية" أساسا، تنكسر، عبر موشورات جانبها "الأنثوي" المعاكس، فقصصهن تفسر قصص الرجال وتصنّفها. من هنا نفهم كيف تحطم النساء أنشوطة "العار"، في المجتمع الذي يسحقهن تحت أثقال الشرف والعفة. فراني، زوجة اسكندر حربا، نسجت على شالاتها تاريخ الأشياء المسكوت عنها في سيرة زوجها، أما ملاءات بلقيس السوداء فكفنت الجنرال حيدر أثناء هروبه مع صاحبه عمر، فأخفت أحياء كالأموات يلبسون الأكفان، ومنزل الأخوات شاكيل بجوه السري الرهيب، استطاع تحويل الأناس الأحياء إلى مرايا لأشباحهم، وأخيرا اختفاء صفية زنوبيا معادل العار الكلي، بعد سقوط الجنرال حيدر، كأنها لم تكن أكثر من شائعة، قصة خرافية، وهم جماعي خلقه شعب مخنوق، كابوس صنعه الغضب. تختلف التسمية بين هجرة الأفراد وانفصال الأمم، لكنها تصوغ المواجهة بين مشكلة التاريخ والذاكرة المتلاشية في الزمن، وتوقع البلبلة في آلية التعامل مع التغيير، ليبقى تبعثر الذات عنوانا لضياع الأفراد وتبدد الحضارات، والتعثر بين الحنين إلى الهوية التاريخية ونبذ الإرث القديم مرادفا للغضب الذي يحني الكائنات أمام عارها!

المواضيع الآداب الهندية
الأدب - الهند
القصة الهندية
القصة المترجمة - الادب المترجم

الأسماء المرتبطة ناصيف، عبد الكريم