مجتمع الأفراد / نوربرت إلياس ترجمة: هاني صالح
التفاصيل :
رقم التسجيلة | 14064 |
نوع المادة | كتاب |
رقم الطلب | 306.4 إ ل ي |
المؤلف | إلياس، نوربرت |
العنوان | مجتمع الأفراد / نوربرت إلياس ترجمة: هاني صالح |
بيان الطبعة | ط.1 |
بيانات النشر | اللاذقية، [سوريا]: دار الحوار للنشر والتوزيع، 2014. |
المحتويات / النص |
قد يكون الناس مختلفين كثيراً في بُناهم وأمزجتهم الطبيعية عند الولادة، ولكن المجتمع هو الذي جعل من الطفل الصغير بإمكاناته النفسية القابلة للتطويع وغير المتمايزة نسبياً، كائناً متمايزاً عن الآخرين. لا يتعلم الكائن البشري التلفظ والنطق بالكلام إلا حينما ينمو في ظل رابطة من الناس، ولا يتشكل لديه بالتدريج نوع من بعد النظر وإمكانية التحكم بغرائزه، إلا مع أناس أكبر منه سناً، وفي النهاية تتعلق اللغة التي يتكلمها وأسلوبه بالتحكم بالغرائز، يتعلق كل هذا بالتاريخ وببنية الرابطة البشرية التي ينمو معها وفيها. لنتصور مجموعة من الأشخاص الراقصين كرمز للمجتمع، فالخطوات والإنحناءات والتعابير والحركات، كلها على توافق مع مثيلاتها لدى الراقصات والراقصين الآخرين، وإذا نظرنا إلى هؤلاء الأفراد كلاً على حدة، فلن نستطيع ان نتبيّن معنى حركاته ومدلولاتها، فالطريقة التي يتحرك بها الفرد هنا محددة بلا ريب من خلال علاقته بالراقصين الآخرين، وشبيه بذلك سلوك الأفراد بعامة، فهذا السلوك ليس إلا نتيجة علاقات سابقة أو حالية من أناس آخرين، وحتى إذا لجأ الفرد إلى العزلة التامة عن كل الناس الآخرين، فإنّ تعابيره ليست إبلا تلك الناشئة من خلال علاقته مع الآخرين |
المستخلص |
عد نوربرت إلياس (Norbert Elias) من أهم السوسيولوجيين الألمان، ومن كتابها المتميزين الأفذاذ. ولد سنة 1897م في بريسلو (Breslau) بألمانيا، وتوفي سنة 1990م بأمستردام بهولندة. ويتميز - سوسيولوجيا- بكتابه القيم (حول سيرورة الحضارة)، وقد ظهر في فرنسا في مجلدين تحت عنوان (حضارة القيم، وديناميكية الغرب)[1]، وأضيف إليه مجلد ثالث وهو (مجتمع البلاط). وله مؤلفات أخرى، مثل: السوسيولوجيا والتاريخ[2]، وما السوسيولوجيا؟[3]، ومجتمع الأفراد[4]، والرياضة والحضارة[5]، وموزارت: سوسيولوجيا العبقري[6]، وراء فرويد [7]، والالتزام والحياد: مدخل إلى سوسيولوجيا المعرفة[8]... إذاً، كيف يتصور نوربرت إلياس علم الاجتماع؟ وما أهم تصوراته السوسيولوجية؟ وما أهم مفاهيمها النظرية والتطبيقية؟ وما أهم الانتقادات الموجهة إلى سوسيولوجيا نوربرت إلياس؟ هذه هي أهم التساؤلات التي سنتوقف عندها بالتحليل والدراسة والتقويم.
مفهــــوم السوسيولوجيا: تهدف السوسيولوجيا،عند نوربرت إلياس، إلى دراسة الأفراد والمجتمع على حد سواء، إذ لايمكن عزل طرف عن طرف آخر. وبالتالي، تنكب السوسيولوجيا على دراسات العلاقات الموجودة بين الأفراد داخل المجتمع، إذ لايمكن دراسة الفرد بمعزل عن الجماعة أو المجتمع. كما للمجتمع وبنياته ومؤسساته تأثيرا واضحا في هؤلاء الأفراد إلى حد الجبرية والحتمية. ويعني هذا أن إلياس يوفق بين الفعل وبنية المجتمع على غرار بيير بورديو(Bourdueu)، ولوسيان كولدمان(L.Goldmann)، وجيدينز(Giddens)، وغيرهم...أي: يجمع بين الفهم والتفسير، بين الذات والموضوع، بين الحتمية والحرية، بين المنهجية الكلية لدوركايم والمنهجية الفردية لماكس فيبر. ويسمى هذا الجمع بالانبناء السوسيولوجي. ومن جهة أخرى، تعنى السوسيولوجيا بدراسة آداب السلوك لدى الأفراد، وفهم أفعالهم وسلوكياتهم الملموسة، ورصد علاقاتهم التفاعلية التبادلية، واستجلاء مختلف التحولات التي تنتاب الأفراد على مستوى الانبناء المجتمعي، عبر سيرورة الحضارة وتغيرها من حالة إلى أخرى، في ضوء المعطيات التاريخية، والمجتمعية، والسياسية، والاقتصادية، والنفسية. ولافرق بين السوسيولوجيا والسيكولوجيا عند نوربرت إلياس، ولاسيما أن الباحث يدرس المجال العاطفي والشعوري والانفعالي والوجداني لدى الكائن الإنساني، في ضوء المقاربة السوسيولوجية. ومن هنا، يتبنى نوربرت إلياس السوسيولوجيا التفاعلية التي ترصد مختلف العلاقات التفاعلية التي تحدث بين الأفراد فيما بينهم، في علاقة تماثلية مع بنيات المجتمع عبر الهابيتوس. وبهذا، يكون الدارس من الرواد الأوائل الذين أرسوا دعائم المدرسة التفاعلية في مجال السوسيولوجيا الألمانية إلى جانب جورج زيميل(Simmel).
المنهجية السوسيولوجية: يتبنى نوربرت إلياس مقاربة سوسيولوجية توفيقية تجمع بين الفهم والتفسير، بين التصور الكلي عند إميل دوركايم والتصور الفردي عند ماكس فيبر، بين الفعل والبنية المجتمعية عبر عملية الانبناء والهابيتوس. ومن هنا، فمقاربته انبنائية بامتياز(Configuration). بمعنى أن الواقع الاجتماعي يبنى من قبل الأفراد والفاعلين المجتمعيين، بناء على خبرات ماضية مستضمرة، أو خبرات حاضرة تستمد من الحياة اليومية، أو تتكون بواسطة الهابيتوس. وتشتغل هذه الخبرات على أساس أنها جبريات لاشعورية ولاواعية. وعلى الرغم من ذلك، يقوم الأفراد بحساباتهم، ويتخذون قراراتهم. أضف إلى ذلك، أن هذه الخبرات هي عبارة عن هابيتوس مجتمعي، يتبلور في شكل خطاطات وقيم وفضائل وعوائد يتشربها الفرد انطلاقا من المجتمع (الأسرة، والشارع، والقبيلة، والوطن، والأمة...). بمعنى أن القيم تنتقل عند الأفراد من جيل إلى آخر، فيتمثلونها على أساس أنها معايير ومقاييس للتكيف والتطبع مع المجتمع.وتشكل هذه المعايير والتصرفات والسلوكيات أدوات للمراقبة الذاتية والمحاسبة الشخصية. وقد استمدها الأفراد من المجتمع ومن حياتهم اليومية على حد سواء. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن المجتمع يمارس تأثيره في الفرد. كما يمارس الفرد تأثيره في المجتمع باختياراته وقراراته وإبداعاته. وبناء على ماسبق، يفضل السوسيولوجي الألماني نوربرت إلياس مفهومي اللعبة واللاعبين بدل الفرد والواقع الاجتماعي.أي: يشبه الواقع المجتمعي باللعبة. أما الفاعلون، فيطلق عليه مصطلح اللاعبين. بمعنى أن اللاعب عندما يحرك عنصرا من عناصر الشطرنج، فإنه يولد لدى الطرف الآخر رد فعل. وعندما يحرك الطرف المقابل عنصرا من عناصر اللعبة، يقوم الآخر برد فعل معاكس، وهكذا دواليك... وإذا أخذنا مثال كرة القدم، فلايمكن فهم تصرفات اللاعبين وحركاتهم وسلوكياتهم إلا في سياق اللعبة، إذ تستلزم كل حركة رياضية رد فعل من اللاعب المنافس أو المقابل. وقد تجاوز نوربرت إلياس بعض المفاهيم السوسيولوجية كمفهومي الماكرو والميكرو، فما يبدو ماكرو قد يكون ميكرو، والعكس صحيح أيضا، قد تكون العلاقة الدولية ماكرو. في حين، تكون العلاقة الوطنية ميكرو. بيد أن هذه العلاقات الوطنية قد تكون ماكرو مقارنة بالظواهر الميكروسوسولوجية الأخرى. كما يرفض الباحث المفاهيم التطورية واللاهوتية تجاه التاريخ. علاوة على هذا، تبنى السوسيولوجيا عند نوربرت إلياس على الفهم والتفسير معا.أي: فهم تصرفات الأفراد السلوكية، والبحث عن معانيها ودلالاتها ونواياها ومقاصدها، ورصد مختلف العلاقات التفاعلية التبادلية التي تتحقق عبر عملية التواصل بين الذوات الفاعلة داخل بنية المجتمع، مع الاستعانة بالتفسير السببي لمعرفة آثار المجتمع في الأفراد. ومن ثم، تقوم منهجيته العلمية على الملاحظة الحسية، والاستعانة بالاختبارات الاجتماعية الكمية والكيفية، وربط التطبيق بالنظرية.
التصورا ت السوسيولوجية: لايمكن فهم آراء نوربرت إلياس إلا باستعراض مضامين كتبه السوسيولوجية، واستجلاء قضاياها الظاهرة والمضمرة، على النحو التالي:
حول سيرورة الحضارة: ينقسم كتاب (حول سيرورة الحضارة) لنوربرت إلياس- الذي صدر سنة 1939م- إلى أجزاء ثلاثة هي: حضارة آداب السلوك، ودينامية الغرب، ومجتمع البلاط. ومن ثم، فهو يعنى بتطور البنيات النفسية والذهنية والوجدانية عند الأفراد والجماعات، في علاقة تماثلية مع تطور البنيات السياسية والمجتمعية. ومن ثم، فهو ينطلق، في كتابه (حول سيرورة الحضارة)، من سوسيولوجيا تاريخية ونفسية. ومن ثم، فهو لايتناول مفهوم الحضارة بتصورات أوزوالد شبنغلر(Oswald Spangler) أو أرنولد توينبي(Arnold Toynbee)، بل يدرس الحضارة في أوروبا الغربية بدون إيحاءات إيجابية أو قدحية. وبالتالي، فهو يعتمد على سوسيولوجيا عامة تجعل الإنسانية إطارا عاما لها. ومن ثم، فهو يجعل من الحضارة الغربية موضوعا للتفكيك السوسيولوجي. إذاَ، يهتم الباحث بحضارة القيم في الغرب اعتمادا على النبش التاريخي والسوسيولوجي، برصد آداب السلوك في الحضارة الغربية، ابتداء من العصور الوسطى إلى غاية القرن العشرين.أي: إلى صدور هذا الكتاب في ثلاثينيات القرن الماضي. ومن هنا، فهدف الكتاب هو تحليل الحضارة الغربية، بالتركيز على العوامل الاجتماعية في زمان ومكان معينين، كدراسة الفترة الفروسية، والفترة البورجوازية، والفترة الأرستقراطية، وفترات كل من: جوته، وهنري الرابع، وفريدريك الثاني، وإيراسموس.... ومن ثم، يتتبع نوربرت إلياس آداب السلوك في أوروبا الغربية من فترة زمنية إلى آخرى، ومن مكان إلى آخر، معتمدا على السوسيولوجيا العامة، وتمثل المقارنة كالتي عقدها بين فرنسا وألمانيا على صعيد الثقافة والحضارة، أو الاعتماد على التاريخ بغية تتبع هذه القيم في مراحلها الزمنية، والاستعانة بعلم النفس لدراسة مجموعة من التصرفات الجنسية والجسدية والعاطفية والانفعالية والوجدانية. ومن ثم، يتتبع الباحث سلوك العري الذي كان معيارا سائدا في ألمانيا في القرن السادس عشر الميلادي، إذ كانت العائلات يخرجن عارية في ذهابها إلى الحمام العمومي، رجالا ونساء وأطفالا، أو التركيز على كيفية استخدام الجسد وعرضه، والتركيز على آداب الطاولة التي كانت فيها الآداب في غاية المرونة والتساهل، وليست متشددة كما هو الحال في أيامنا هذه؛ إذ كان الشباب لايخفون صوت ضراطهم أثناء العطس، وكانوا لايستخدمون أصابعهم الثلاثة عندما يأكلون قطعة لحم من الأطباق، بل كانت تلك الأطباق تمسح بأكمام من يجلس قربهم... فقد أضحت هذه التصرفات - اليوم- عرضة للسخرية والاستهزاء.علاوة على ذلك، لم تستعمل شوكة الطعام إلا في القرن الحادي عشر من قبل حاكم فينيسيا، وقد أدان رجال الدين هذا التصرف، بيد أن هنري الثالث استخدمها بشكل عاد في بلاطه. في حين، كانت هذه الشوكة مدعاة للسخرية عند عموم الشعب. وعليه، " بمثل هذه الأحداث والوثائق الظريفة أدخل نوربيرت إلياس في التحليل التاريخي والسوسيولوجي للغرب مفهوم حضارة آداب السلوك.يمكن للفكرة التي ظهرت في ثلاثة مجلدات، أن تختزل بشكل سهل: يوضح إلياس أن الحضارة هي مسألة آداب السلوك، وخاصة تلك المتعلقة بالقواعد الصغيرة والكبيرة التي تفرض نفسها على استخدام الجسد وإشباع الحاجات والغرائز والرغبات البشرية.غير أن هذا البعد الأخلاقي عرف تطورا ملحوظا في أوروبا بدءا من عصر النهضة، كان الإنسان القروسطي يعيش في نوع من البربرية الساذجة إلى حد ما، وفي حرية حقيقية بخصوص التعبير العنيف عن مشاعره ورغباته، ولإشباع حاجاته الأكثر مادية، دونما انشغال بنظرة الغير. وبدءا من القرن السادس عشر، شرع كل ذلك (اللياقة، وآداب الطعام، وقواعد الحياء، والحشمة) بالقوننة عن طريق نبلاء البلاط. وفي القرن الثامن عشر، استولى البورجوازيون على آداب السلوك هذه. وفي القرن التاسع عشر، بلغت الحركة أوجها وشاعت أيضا؛ كان العصر عصر الأخلاق الطهرية التي تدعى " النظافة أو العناية الصحية. هل مازلنا فيها حتى الآن؟ هذه مسألة آخرى.إذ يرى إلياس أن هذه الحركة غير المكتملة ترسم كامل التاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي للغرب؛ بسبب أن تطور آداب الجسد هذه ناجمة عن تعميم نمط لشخصية هي شخصية نبيل بلاط."[9] ويلاحظ إلياس أن سلطة الدولة هي المحرك الحقيقي للحضارة، فقد تحول المحاربون الإقطاعيون إلى نبلاء البلاط، وشكلوا ما يسمى بالسلطة الملكية. ومن ثم، فقد فرض الأمير أو الملك قواعد اللياقة على حاشيته والمحيطين به، ثم ترابط المجتمع عضويا ووظيفيا، بعد صعود البورجوازية، وازدياد تقسيم العمل بين أفراد المجتمع الواحد، وكانت آداب السلوك خاضعة للمراقبة الذاتية والضبط الداخلي. وفي هذا، يقول فيليب كابان(Philipe Cabin) وفرانسوا دورتييه (Jean-François Dortier):" إن تطور آداب السلوك- كما يوضح إلياس- ما كان له أن يحدث دون تدجين المحاربين، وتحويلهم إلى نبلاء في البلاط: نشاهد بالفعل بين القرنين الثاني عشر والثامن عشر، في فرنسا على الأقل، صعود السلطة الملكية، وتحول الطبقات الإقطاعية إلى نبلاء البلاط. وهناك فرضَ الأمير أثره في كامل حياة المحيطين به في البلاط" الحب، والحرب، وآداب المائدة، واللياقة، وقواعد النزاعات. وفي الوقت ذاته، كان المجتمع يغتني ويزداد تعقيدا، فأصبح الناس أكثر اعتمادا على بعضهم البعض، وارتبطوا عضويا عن طريق تقسيم العمل.ولم يعودوا يقدرون على العيش منفصلين في جماعات منغلقة على نفسها.وهنا، كما يقدر إلياس، يكمن السببان الرئيسيان لظهور أخلاق مؤسسة على السيطرة المتزايدة على الغرائز البدنية والوجدانية، في الطبقتين المهيمنتين، النبلاء والبورجوازية. لم يعد الأمر متعلقا فقط بتطبيق قواعد اللياقة والحياء والتحاشي، إنما بالوصول إلى الضبط الذاتي لكل واحد، خاصة فيما يتعلق بالاحتكاكات الجسدية والجنس والعنف."[10] ومن ثم، فقد بلغت آداب السلوك في القرن التاسع عشر الميلادي قمة الرقي والتهذيب والتطهير الأخلاقي والمحاسبة الذاتية، إذ كان العري ممنوعا، وكان قليله يثير الضحك والسخرية بين الجميع، وكان الحديث عن الجنس مع الأطفال عيبا ورذيلة وعارا. بمعنى أن القرن التاسع عشر هو قرن الممنوعات والمقموعات والمكبوتات فيما يخص الجنس، والنظافة، واللياقة، واستخدام العنف، ولم تكن تلك المعايير الانضباطية مجرد قوانين عامة، بل تعد أيضا ثقافة. إنه قرن استبطان التهذيب. وقد كتب إلياس " أن تطور آداب السلوك في جانبه الحديث، يتصف باستبطان متزايد للمعايير؛ مما يجعل الآليات الاجتماعية للمنع لاضرورة لها. بالنسبة له، ليست الحضارة فقط مسألة لياقة في المجالس الرسمية ؛ فهو يعلم جيدا أن هناك ممنوعات وطقوسا معقدة قد توجد عند شعوب تعتبر بدائية.فحركة الحضارة تسير عن طريق مبادىء كونية، وتصيب وعي الفرد بالذات باختصار، لم يعد الأمر متعلقا فقط بقواعد السلوك، بل بمشاعر داخلية إحساسا بالذنب وندما، وتعيد إنتاج نفسها بنفسها، وتشبه الكبت عند فرويد. ولكن المستغرب في تصور إلياس أن عري المرأة على شاطىء البحر لايعده انقلابا في سيرورة الحضارة، وعودة إلى انعدام الحشمة والحياء والعفة، بل هو تعبير عن حرية المرأة، واستمتاع بحق المساواة في الظروف الحياتية.أما بالنسبة للآخر، فعليه أن يضبط مشاعره وسلوكياته وتصرفاته. ويلاحظ أن كتاب (حول سيرورة الحضارة) كان ممنوعا في ألمانيا، ولكن أعيد اكتشافه في فرنسا خلال السبعينيات من القرن الماضي، و" استقبل بحماس عن طريق فرانسوا فوره (Furet)، وأندري بورغيير(Burguière)، وإمانويل لوروا لاديوري(Ladurie). وهو يعكس جهدهم الخالص كي يجعلوا من التاريخ علما للعقليات.ويجسد أيضا سوسيولوجيا تاريخية ذات هدف نظري رفيع، ويدشن شكلا لتاريخ آداب السلوك أصبح منذئذ مدرسة (انظر مثلا جورج فيغاريلو(Vigarello). أخيرا، لقد رسم، مع احتفاظه بمسافة نقدية، لوحة للحضارة الغربية أقل نقدية بكثير من التحليل النفسي والماركسية وتجلياتهما.[12]" وهكذا، يلاحظ أن الكاتب يدرس الحضارة الغربية في ضوء المقاربة السوسيولوجية، أو يدرس ما هو إنساني، وماهو انفعالي، وما هو وجداني عاطفي وسيكولوجي، ضمن مقاربة سوسيولوجية. ومن جهة أخرى، يدرس ماهو تاريخي ومجتمعي في ضوء مفهوم القمع أو الكبت، كما تحدث عنه سيغموند فرويد (freud) في جل كتاباته السيكولوجية. علاوة على ذلك، يعنى نوربرت إلياس بسيوسيولوجيا الجسد في شبقيته وماديته وشهواته ونزواته وغرائزه، بالتوقف عند تقنياته على غرار دراسات السوسيولوجي مارسيل موس(M.Mauss)، وربط هذا الجسد بالعفة والعري، وعلاقة ذلك بالهابيتوس، والانبناء المجتمعي، والمراقبة الذاتية، والمحاسبة القيمية، وتصوير طبيعة المجتمع على مستوى الثقافة والحضارة. ويعني هذا أن العواطف والأهواء خاضعة للقيم والتقاليد والعادات والأعراف. كما اهتم نوربرت إلياس بسوسيولوجيا الرياضة بإشتراك مع تلميذه إيريك دانين (Dunning)، إذ أثبت أن جميع المجتمعات، سواء القديمة منها أم الحديثة، قد عرفت الرياضة، وتتميز الرياضة مقارنة بالهوايات الأخرى بقلة العنف، على الرغم من الاحتكاك الصارم الموجود بين الأجساد الرياضية داخل مجال اللعبة. علاوة على احترام القواعد المكتوبة وغير المكتوبة التي تتحكم في اللعبة. ومن ثم، فهي تهدف إلى غرس القيم الوطنية والقومية، وتحقيق الظفر والانتصار، وتمثل القواعد، والسعي الجاد نحو الاستمتاع باللعب. ومن ثم، فقد حلل الباحثان الظاهرة الرياضية في بعديها المزدوج: إذ يتعلق البعد الأول بالتطبيق الجسدي، و يرتبط البعد الثاني بما هو فرجوي. وهنا، يتم التركيز على الجسد باعتباره نتاج سيرورة الحضارة. هذا، وقد انتقلت الرياضة من الألعاب التقليدية العنيفة ( الرومان) نحو ألعاب تحد من العنف والعدوان. بل يمكن القول :إن الهابيتوس الرياضي لايقتصر على اللعبة في مجالها الداخلي فحسب، بل يمتد هذا الهابيتوس حتى خارج هذا المجال على مستوى السلوك والتصرف والتطبع الاجتماعي. |
المواضيع | النقابات العمالية |
النسخ :
الباركود | رمز الوحدة | النسخة | نوع النسخة | |
---|---|---|---|---|
0140640001 | 306.4 إ ل ي | 1 | متاح |
المرفقات :
العنوان | الوصف |
---|